أدعية الأنبياء

 
 دعاء النبي " آدم " عليه السلام

 
لما أسكن آدم الجنة، وقال: لاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ سورة البقرة:35، وقام الشيطان بخدعته: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا سورة الأعراف:20، ومن كيد إبليس كشف العورات، ويحلف على الكذب: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَسورة الأعراف:21، النتيجة: أنهما وقعا في حبائله، وعصا الأبوان بكيد إبليس، ناداهما ربهما: أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌسورة الأعراف:22؟ ألم يسبق مني التحذير والتنبيه والتبيين؟.
ماذا كان دعاء الأبوين: قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ سورة الأعراف:23، 
 
وقال موسى:
 رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُسورة القصص:16، 
وقال يونس:
 لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ سورة الأنبياء:87.
 
دعاء نوح عليه السلام:
 
نوح عليه السلام: قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ سورة المؤمنون:26

نوح عليه السلام من أدعيته قال الله تعالى عنه: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ سورة هود:
 
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ سورة نوح:28
هذا دعاء آخر لنوح عليه السلام
 
دعاء إبراهيم عليه السلام وتوسلاته بين يدي ربه:
 
إبراهيم عليه السلام: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا سورة إبراهيم:35
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ سورة إبراهيم:35  رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ سورة إبراهيم:36، فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة إبراهيم:36
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍسورة إبراهيم:37 لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَسورة إبراهيم:37
 
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ سورة إبراهيم:  37 لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ سورة إبراهيم:
 
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءسورة إبراهيم:38
 الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِسورة إبراهيم:38-40
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي سورة إبراهيم رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء سورة إبراهيم:40
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ سورة إبراهيم  يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ سورة إبراهيم

دعاء آخر للخليل:
رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِسورة البقرة:
وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُسورة البقرة:126.
إبراهيم عندما يقوم بالعمل الصالح العظيم هو وابنه في بناء البيت ماذا يقول عند البناء؟ وَإِذْ يَرْفَعُعند الرفع، وعند القيام، وخلال العمل، وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَاجملة حالية حالهما عند البناء هو الدعاء، بناء ودعاء، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّالا تصاب النفس بالعجب إذا كانت تسأل ربها أثناء العمل، وتسأل ماذا؟ القبول: تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُسورة البقرة:127توسل إلى الله بصفتين عظيمتين: بسمعه وعلمه، السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَإخلاص لا نريد من وراء هذا العمل شهرة، ولا دعايات إعلامية إعلانية، وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَخالصين في العمل، وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَما نريد بعملنا إلا وجهك، وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةًكثيرة، أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَالمستقبل مهم، مد النظر إلى المستقبل في الدعاء من أسرار أدعية الأنبياء، وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَامن الذي يسأل اليوم ربه الفقه في الدين؟ من الذي يسأل اليوم ربه أن يفهِّمه مسائل الدين؟ من؟ قليل جداً، ومن الذي يفطن لهذا؟ قال: وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا، وعلمنا المشاعر، وفقهنا في أحكامها، ودلنا عليها، وبينها لنا، لنعبدك بها، وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُلا زال الخليل يسأل ربه التوبة، وهو يبني البيت، لا يعصي، هو يطيع، ومع ذلك هو يعترف بالتقصير، وأنه محتاج للتوبة: إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُسورة البقرة:128.
مد النظر إلى المستقبل في الدعاء: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاًبعد آلاف السنين خرج الرسول، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْنعمة أن يكون منهم لا من غيرهم نعمة، كان من ذلك النبي الأمي العربي محمد صلى الله عليه وسلم، فماذا فعلنا لأجل رسالته؟ وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْلماذا يبعث الرسول؟ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، ويشرح القرآن بالسنة، الكتاب والحكمة، الحكمة السنة ووضع الأشياء في مواضعها، وَيُزَكِّيهِمْيربيهم، ويرتقي بأنفسهم في طاعته، إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُسورة البقرة:129.
قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًاأعطني الحكمة، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَسورة الشعراء:83يا للتواضع! وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَهو الخليل! أعظم نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام هو إبراهيم الخليل لكن يقول: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَألحقني، سبحان الله! يا للإشفاق! يا للخوف من تقلب القلوب! يا للتواضع! الأواه الحليم عليه الصلاة والسلام، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَمد النظر إلى المستقبل في الدعاء.
وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَسورة الشعراء:84يثنون عليه، ويدعون له، ويقتدون به ليعظم أجره، ولماذا؟ وما هي النتيجة؟ لأنه في النهاية يريد الجنة: وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِسورة الشعراء:85.
ثم دعا لأبيه قبل أن يخبره الله أنه من أهل النار: وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَسورة الشعراء:86، ولا يجامله، فيذكر حاله أنه ضال، ولو كان هو الأب.
وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَسورة الشعراء:87في مناجاته لربه يذكر حال أبيه، ثم يقول: وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَسورة الشعراء:87؛ لأن الخزي يوم القيامة شديد، مآله مصيبة أكبر المصائب، الخزي يوم القيامة في النار وبئس القرار.
وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍسورة الشعراء:87-89.
 
موسى عليه السلام يختار لكل مقام دعاء:
00:23:17
موسى عليه السلام نبي كريم من أولي العزم، عاش الأنبياء كل منهم مع أمته حتى انتهت العملية بإهلاك الأمم ونجاة الأنبياء وأتباعهم، موسى عليه السلام عاش مع أمتين، وعاش تاريخين: مع فرعون ومجاهدته، ومقارعته والصمود أمامه، وهذه المواجهة الضخمة الكبيرة، ثم لما انتهت بغرق فرعون بدأ موسى حياة أيضاً ثانية، ومجهوداً آخر، ويبني أمة من البداية، ومع بني إسرائيل لكي يواجه التواءاتهم ومعاصيهم وتمردهم، وهكذا مرة أخرى إلى أن قبضه الله.
من قبل النبوة عنده آثار من النبوات في السابقة، فهو من بني إسرائيل، ويوسف من أنبيائهم من قبل، وكذلك يعقوب عليه السلام، فموسى عنده علم من الدين الذي كان موجوداً قبله؛ ولذلك لما قتل القبطي، ونفساً لم يؤمر بقتلها قال: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌسورة القصص:15، فماذا فعل؟ قال: رب اغفر لي؛ فَغَفَرَ لَهُسورة القصص:16، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَسورة القصص:17؛ لأنك آتيتني نعمة لن أستعملها في معصيتك، فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَسورة القصص:17؛ لأن بعض الناس عندما يؤتيه الله أموالاً وإعلاماً يكون نصيراً للمجرمين وللطواغيت في الأرض، ويسخر ما آتاه الله من الإمكانات في إضلال البشر، ونشر الرذيلة والفحشاء، ودعايات الأعداء، وتقديس الأعداء، وتضخيم آلة الأعداء، والطعن في المؤمنين، وتشويه سيرة الدعاة العاملين، يستخدم إمكاناته، رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَسورة القصص:17.
لما خرج طريداً خائفاً من المدينة؛ لأن القوم قرروا قتله: يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَسورة القصص:20دعاؤه على حسب الحدث والحال: رَبِّالمهم اللجوء إلى الله في كل أزمة، في كل حال، في كل حين، بحسب المناسب، واختيار الألفاظ المناسبة: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة القصص:21، ما يعرف الطريق إلى مدين: عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِسورة القصص:22جلس في ظل شجرة جائعاً منهكاً: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌسورة القصص:24محتاج إلى خيرك أيضاً، كل موضع دعاء، كل مرة ما يناسب: فَاغْفِرْ لِيسورة القصص:16، رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَسورة القصص:17،رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة القصص:21، عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِسورة القصص:22،إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌسورة القصص:24.
لما كلف موسى بالرسالة وتلك الأعباء العظيمة الهائلة التي تنوء بها الجبال لكن تتحملها قلوب المؤمنين، الجبال لو نزل عليها القرآن لتصدعت لكن قلب المؤمن يمكن أن يتحمل، ويلين، ويخبت لكلام ربه.
لما كلف موسى: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىسورة طـه:24بماذا يستعان على المهمات الصعبة؟ وماذا يقول موسى في هذا الحال، وعندما تعسر الأمور وتكون القضية في غاية الصعوبة، وإلى قوم عتاة جبابرة متكبرين متغطرسين طغاة؟ موسى وحده إلى فرعون بأمته وجنوده وهيلمانه! ماذا سيقول موسى عليه السلام؟ ذلك ما سنعرفه إن شاء الله.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل فضلك العظيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اشرح لنا صدورنا، ويسر لنا أمورنا، اللهم ارحمنا واغفر لنا وتب علينا، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله العلي الكبير، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، اللهم صل وسلم عليه وعلى ذريته وأزواجه، وخلفائه الطيبين، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في زمرتهم يوم الدين، وأن تحشرنا معهم يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
 
موسى عليه السلام يدعو على القوم الفاسقين:
00:29:34
فإن في أدعية الصالحين مما قص الله علينا في القرآن الكريم لعبرة عظيمة للمؤمنين، وهذا الفقه العظيم من أولئك النفر الكرام من الأنبياء والصالحين فيه قدوة لعباد الله في أدعيتهم، وإن المؤمن ليرى في أدعية هؤلاء الأنبياء والصالحين المعاني العظيمة، والعبودية الكاملة لله عز وجل.
إن أدعيتهم في السراء والضراء لرب العالمين في الشدة والرخاء للحي القيوم ديان السماوات والأرضين.
وهذا موسى عليه السلام لما ابتلي بفرعون، واشتد أذى فرعون على قوم موسى عليه السلام، وطالت تلك المناظرات والمواجهات بين هذا النبي الكريم وعدو الله فرعون، رفع موسى يديه يدعو ربه: إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَسورة يونس:88-89، وهكذا كان القرار الأخير بعد استنفاذ كافة الوسائل في الدعوة لما صارت البيوت المزخرفة، والأموال العظيمة، والمراكب الفاخرة صارت فتنة لهؤلاء القوم يستعينون بما آتاهم الله على معصيته، وعلى فتنة عباده، وعلى الإفساد في الأرض، دعا موسى أن يتلفها الله عز وجل، إما بهلاك الذين يستعملونها، أو بجعل هذه الأموال على وجه لا ينتفع به، فقال ذلك الدعاء.
لقد كان موسى عليه السلام حريصاً ألا يزداد أولئك القوم في الطغيان؛ لأن زيادتهم في الطغيان زيادة لعذابهم، ولأن في زيادة طغيانهم فتنة للمؤمنين، والمحافظة على المؤمنين، ووقاية هؤلاء المؤمنين من فتنة الكافرين والطاغين أمر مهم للغاية يحرص عليه موسى عليه السلام، وكانت أذية بني إسرائيل بعد ذلك لموسى عليه السلام، وتمردهم عليه موجبة لشكوى موسى الكليم إلى ربه: قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَسورة المائدة:24بهذه الوقاحة يواجهون نبيهم، كأن القوم سيخرجون لهم من البلد ليدخلوها هم برداً وسلاماً، ما كان ذلك ليحصل، ولما حصلت هذه المعصية، وحصل التمرد من بني إسرائيل على نبيهم ماذا قال؟ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِيسورة المائدة:25، وصل موسى عليه السلام إلى مرحلة صار ليس له كلمة إلا على أخيه، تمرد عليه القوم، وهذا من طبع اليهود: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَسورة المائدة:25.
وهكذا قص الله سبحانه وتعالى علينا من خبره مع أخيه مع بني إسرائيل لما عبدوا العجل في غيابه، وتمردوا على هارون الذي قال معتذراً لموسى: إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَسورة الأعراف:151ينظر نبي الله حوله، يتلفت فلا يجد إلا الواحد والعدد القليل من الناس الذين ثبتوا، والبقية زلوا، سقطوا في الفتنة: أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْسورة التوبة:49فماذا يقول؟ وبماذا يدعو لمن ثبت معه؟ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَسورة الأعراف:151أدخلنا فيها؛ فتكون الرحمة محيطة بهما من كل جانب، فهي حصن حصين، وخير وسرور، وحماية من الشرور.
إلهي أشكو البث والحزن كله *** إليك فكن لي راحماً لشكيتي
يشتكي موسى إلى ربه، ويدعو ربه أن يفرق بينه وبين القوم الفاسقين، يجعل هناك فرقاناً، ويجعل له العلو والظفر، والظهور عليهم، وهو محتاج إلى رحمة ربه ومغفرته، يدعو بها ولأخيه، فلا ينسى أخاه.
وهكذا حصل لموسى أيضاً مع بني إسرائيل لما أخذتهم الرجفة، لقد تواقح القوم، وتمردوا لدرجة أنهم قالوا: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةًسورة البقرة:55أخذتهم الصاعقة، ماتوا، أخذ الله أرواحهم.
وكان من قبل قد حصل لهم أمور، وأخذتهم رجفة، ومن بعد نتق الجبل فوقهم: فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَيتوسل إلى ربه بقدرة ربه على الإهلاك، وعلى الإماتة، ثم قال: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَسورة الأعراف:155-156، فتأمل في عظمة هذا الدعاء في توجه موسى إلى ربه، يتوسل إليه، يعلن الخضوع والاعتراف بقدرته، وهذا مهم في الدعاء، ويعتذر، وكأنه هو المذنب، مع أن أولئك القوم الذين تمردوا عليه هم الذين أجرموا، وفعلوا فعلتهم الشنعاء بعبادة العجل وموسى يطلب المغفرة لنفسه، أولئك يذنبون، وهو يطلب المغفرة، سبحان الله! تسليم مطلق لقدرة الله يقدمه موسى بين دعائه لربه: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَمعهم وإياي، أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا، ثم يدعو ربه أن يكتب له في هذه الدنيا حسنة، حسنة الدنيا عظيمة: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةًتشمل العلم النافع، والعمل الصالح، والذكر الجميل، والرزق الواسع، والصحة، والذرية الطيبة، هكذا حسنة الدنيا شاملة، وَفِي الآخِرَةِسورة الأعراف:156ظل في العرش، ووقاية من النار، وسلامة في العبور عليها، ودخول الجنة، حسنات إنها حسنة عظيمة حسنة الآخرة المتضمنة لكل هذه المزايا.
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِسورة الأعراف:156، ونحن عندنا هذا الدعاء علمنا الله إياه: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةًسورة البقرة:201.
إن تقديم الاعتذار والاعتراف، وبيان ضعف المخلوق أمام خالقه، وقدرة الخالق على المخلوقين، تقديم ذلك بين الدعاء سر عظيم من أسباب الإجابة.
رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِيسورة القصص:16،رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة القصص:21،رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌسورة القصص:24إظهار الحاجة.
 
أفرغ علينا صبراً:
00:38:39
تأمل في حال داود عليه السلام، ومن معه من المؤمنين لما برزوا لجالوت وجنوده أمام ذلك الحشد من الأعداء، العَدد والعُدد الجبابرة، قَالُواْأي: عباد الله المؤمنين، رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَسورة البقرة:250أمام هذا الجحفل من الأعداء، أمام هذا الجحفل من الطغاة، يدعو المؤمنون ربهم، ويلجأون إليه في الشدائد، والله إذا دعاه المضطر لا يخيبه: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًاإفراغ الشيء على الشيء يدل على تعميمه به؛ ولذلك فإنهم لم يقولوا: ارزقنا صبراً، ونحو ذلك وإنما قالوا: أَفْرِغْ عَلَيْنَا؛ لأنهم يحتاجون الصبر الآن، يحتاجون صبراً عظيماً، أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًاالإفراغ صب الشيء الكثير، الإفراغ أَفْرِغْ عَلَيْنَامن أعلى إلى أسفل، إنزال تعميم شمول كثرة أَفْرِغْ عَلَيْنَافقه في الدعاء.
أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَسورة البقرة:250حسن الدعاء، والترتيب الجيد فيه، سألوا أولاً الصبر الذي يعم القلب والبدن: أَفْرِغْ عَلَيْنَا، ثم ثبات القدم المترتب على الصبر: وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا، فسألوا التثبيت الظاهر والباطن، ثم النصر المترتب عليهما، والنصر لا ينال إلا مع الصبر، والصبر مجلبة للمعونة، فتأمل الترتيب في هذا الدعاء: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًاينزل في القلب، وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَانتيجة الصبر في القلب، وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَسورة البقرة:250ثبات القلب، وثبات البدن هو المهيئ للنصر، ولذلك سألوا ربهم هذا السؤال، وجعلوا فيه هذا الترتيب.
 
لا غنى لأحد عن مغفرة الله تعالى وعونه:
00:41:08
لم يغر ملك سليمان سليمانَ عليه السلام، وإنما قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًاسورة ص:35، رَبِّ اغْفِرْ لِيتأمل كيف حاجتهم إلى المغفرة وهم الأنبياء! يسألون ربهم المغفرة وكأنهم أجرموا وأذنبوا الذنوب العظيمة، يسألون مغفرة ورحمة، إنها حاجة المؤمن إلى مغفرة ربه عز وجل، إنه إظهار الافتقار للواحد القهار.
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَسورة الأنبياء:87-88قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير: ذَّهَبَ مُغَاضِبًايعني: من أجل ربه عز وجل، غضبت لك يعني: من أجلك، والمؤمن يغضب لله إذا عصي، وكان الأولى أن يصبر، فذهب مغاضباً من أجل ربه، وقد أعلن سخطه على قومه من ما فعلوا وأصروا، وتمردوا وعصوا، فقدر الله أن يلتقمه الحوت، فنادى في الظلمات، إنها لحظات الاضطرار، إنها أوقات الشدة، نادى في الظلمات: ظلمة بطن الحوت، وظلمة قاع البحر واليم، ظلمة الماء، ظلمات أمواج يغشى بعضها بعضاً، وكذلك ظلمة الشدة، وظلمة الوحدة، اجتمعت الظلمات الحسية، والظلمات المعنوية، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، وظلمة الشدة، وظلمة الوحدة، ولكن لم ييأس يونس أبداً من ربه عز وجل.
فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَشكا إلى ربه حاله، وتضرع إليه، وتوسل إليه بوحدانيته: لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ، ثم نزه ربه عما لا يليق به: سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَاعترف لله عز وجل بالظلم لنفسه؛ ولذلك قال النبي عليه السلام محمد صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت) لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ سورة الأنبياء:87، (فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له) رواه النسائي 3505في شيء من الحاجات عموماً.
نَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ، وإذا كنت في شدة فالله ينقذك منها، وإذا كنت في ظلمة كربة فالله ينجيك منها، فهو ملجأ الخائفين، ومجير المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، لا إله إلا هو، وهكذا أنعم الله على يونس
 
إذا كنت في شدة فالله ينقذك منها، وإذا كنت في ظلمة كربة فالله ينجيك منها، فهو ملجأ الخائفين، ومجير المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، لا إله إلا هو، وهكذا أنعم الله على يونس
 
؛ لأنه كان من المسبحين، فإن سجله الماضي في الطاعات جعل له شفاعة عند ربه، فنجاه الله، وأنبت عليه شجرة من يقطين، ورده إلى قومه ليؤمنوا: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍسورة الصافات:147-148.
ولذي النون وقد ناداه من *** ظلمات البحر إذ فيه استقر
حين نجاه من الغم فهل *** بعد ذا شك لعبد ذي نظر
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّسورة الأنبياء:88العمل الصالح يساند الدعاء، الدعاء المبني على عمل صالح مسبق إنه أمر عظيم.
ماذا قال زكريا عليه السلام في أدعية الأنبياء أيضاً؟.
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَسورة الأنبياء:89، إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّاسورة مريم:3-6لما تقارب أجله، ولم يرزقه الله بولد، وهو مسن لا يولد لمثله، وامرأته عاقر لا تنجب، اجتمعت الأسباب الأرضية على عدم الإنجاب، ولكن نبي الله لا ييأس من رحمة الله، وهذا ذكر رحمة ربه له إذ وفقه للدعاء: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّاسورة مريم:3أمر يدل على الإخلاص، والإقبال على الله، توسل إلى الله بضعفه، وهذا سر مهم نجده متكرراً في أدعية الأنبياء يذكرون ضعفهم، يذكرون افتقارهم، يذكرون حاجتهم إلى ربهم: إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًاسورة مريم:4، ومع كل هذا: لَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّاسورة مريم:4إنه يعتقد بأن الدعاء سعادة، ولا يمكن أن يشقى ا
 
المرجع

http://almunajjid.com/4846

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

" إذكار يومي تم جمعه من عدة كتيبات "